لفت راعي الأبرشية المارونية في أستراليا المطران أنطوان- شربل طربيه، إلى أنّ "بمولد يسوع المسيح طفلًا صغيرًا في مغارة حقيرة، قال الله للإنسان، لقد تجسّدت من العذراء مريم من أجلك. فعيد الميلاد هو قصّة ابن الله الّذي صار ابن الإنسان، لكي يستطيع الإنسان أن يصبح ابنًا أو ابنةً لله بقوّة الرّوح القدس، فيشهد للحقّ من خلال الإيمان بيسوع المسيح؛ ويصبح وارثًا للملكوت السّماوي".
وأشار، في رسالة وجّهها بمناسبة عيد الميلاد المجيد، إلى أبناء الكنيسة المارونيّة في أستراليا ونيوزيلاندا وأوقيانيا، إلى أنّ "الله قد اختار الوقت المناسب لتجسّد ابنه: "ولمّا جاء ملء الزمن، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، وعاش في حكم الشّريعة"، واختار أكثر الأشخاص تواضعًا وبساطةً واتّكالًا على رحمته: مريم ويوسف، زكريا واليصابات، الرعاة والمجوس". وبيّن أنّ "الله اختار أيضًا المكان الأنسب لولادته بحسب الأنبياء: "...وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأنّ منك يخرج مدبّر يرعى شعبي إسرائيل".
وركّز المطران طربيه على أنّ "لوحة الميلاد هذه تأتي لتكشف سرّ محبّة الله العظيمة للإنسان. ففي المسيح يسوع كَشف الله لنا كلّ شيء. أصبح السّرّ حقيقةً في الكلمة المتجسّد، المخلّص الّذي من خلال بشريّته جاء ليرمّم صورة الله فينا، بعدما شوّهتها الخطيئة، لأنّ صورته هي مصدر حقّ ومجد وسلام حقيقي ورجاء صالح للبشرية جمعاء. فقد "رأينا مجده مجد ابن وحيد من الآب يفيض بالنّعمة والحق".
واعتبر أنّ "أمام عظمة الحب الإلهي للإنسان، نجد اللّقاء المنشود بين الخالق ومخلوقاته. ويشكّل عيد الميلاد فرصةً للّقاء بين السّماء والأرض، وللمصالحة بين البشريّة والله، ولعودة النّاس إلى بعضهم البعض، ولمسيرة التّوبة والمغفرة والفرح بالرّب"، مشدّدًا على أنّ "ما أجمل أن نُقرّ ونعترف أوّلًا بأنّ الكمال لله وحده، وأنّ لكلّ واحد منّا ضعفه وأخطاءه وهفواته، فلا ندين أحدنا الآخر، بل نتصالح مع بعضنا البعض، نابذين الأحقاد والانقسامات وجراحات الماضي، ومشرّعين الأبواب باسم يسوع المسيح للمحبّة والتّلاقي والسّلام".
كما أكّد أنّ "الميلاد هو أيضًا وقت للمّ شمل العائلة، فمن الطّبيعي أن نشارك في قداس العيد مع أطفالنا وكبارنا كعائلة واحدة، نصلّي مع بعضنا البعض ومن أجل بعضنا البعض لكي تحلّ نعمة العيد على قلوبنا وتزيدنا إيمانًا ووحدة. ولا يمكننا أن ننسى في هذا العيد العائلات الّتي لا تستطيع أن تلتقي لسبب ما، أو العائلات الّتي قد تلتقي ولكن من دون بهجة العيد بسبب المشقّات الّتي تعيشها".
وخاطب طربيه أبناء الأبرشيّة وبناتها، قائلًا: "أشكركم أوّلًا على ما تقومون به من أعمال خيريّة ومساعدات إنسانيّة، خاصّةً لأهلنا في لبنان، وبالتّالي أطلب منكم مواصلة إرسال المساعدات خاصّةً تلك الّتي تتعلّق بالمدارس والجامعات، لأنّ بقاء لبنان مرتبط بشكل أساسي بعلم أجيال المستقبل وثقافتها".
إلى ذلك، شدّد على أنّه "لا يمكن أن نحتفل بالميلاد من دون أن نجدّد الرّجاء في قلوبنا وحياتنا. عن طريق تجدّدنا بروحيّة هذا العيد المبارك، نتطلّع إلى السّنة المقبلة 2023 برجاء أكبر، رافعين صلاة شكر لله على فرصة الاحتفال باليوبيل الذهبي، خمسين سنة على تأسيس أبرشيّتنا المارونيّة هنا في أستراليا"، مذكّرًا بأنّ "في 13 تموز سنة 1973، أصدر الكرسي الرّسولي قرارًا بإنشاء الأبرشيّة وتعيين أوّل أسقف ماروني عليها".
وأفاد بأنّ "اليوم بعد خمسين سنة، نتوقّف معًا لنشكر الرّبّ على ما أنجز، خاصّةً على صعيد الكنائس والأديار والمدارس ودور الرّعاية وغيرها من المؤسّسات، وكل ذلك بفضل كرم أبناء وبنات الجالية المارونيّة، الّتي تعمل عن كثب مع الكهنة والرّهبان والرّاهبات. ويشكّل هذا اليوبيل مناسبةً لمتابعة مسيرتنا، مسيرة القداسة والشّهادة لتراثنا الرّوحي واللّيتورجي الأنطاكي، والانفتاح على إرادة الله في حياتنا، في هذه الأرض الشّاسعة المليئة بالتّنوّع والفرص".
واعتبر طربيه أن "عيد الميلاد بالنّسبة لنا، يبقى عيد الفرح والدّهشة، نعيشهما مع العذراء مريم والقديس يوسف وهما ينظران إلى وجه الطّفل الإلهي عمانوئيل - الله معنا وهو يخلّصنا، لأنّ ما أعدّه الله لحياة كلّ واحد منّا، أفضل بكثير ممّا نخطّط نحن لحياتنا".